الأصالة والتأصيل بين العلم والخرافة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين،،،

وبعد،

أبدأ بالتهنئة والشكر للصديق العزيز والباحث النابه المدقق، إدوار سليم الدحداح، على هذه الخطوة المباركة بالتدوين باللغة العربية على مدونته العريقة ذائعة الصيت “بنات الريح”. وقد كان لي شرف التدوين سابقا باللغة الإنجليزية على هذه المدونة المباركة المعنية بالأصالة وحفظ الخيل العراب. والآن يسعدني أن ألبي الدعوة الكريمة وأن أبدأ بأول مقال باللغة العربية. وقد أخترت أن أبدأ بمقدمة قصيرة أتبعها لاحقا بسلسلة مقالات عن مفهوم الأصالة بين  العلم والخرافة، وما يعتريه من جدال عند المهتمين المعاصرين. فبسم الله نبدأ وبه نستعين.

تـقـديـــم

تحتاج المصطلحات والتعريفات إلى ضبط وتدقيق، وتحتاج المباحث والأحكام والإستنتاجات إلى منهجية علمية بعيدة عن الخطابة الشعرية. ثم تحتاج كل مساعينا لأهداف وغايات ورؤى، وأيضا مبادئ تضبط سعينا وتوجهاتنا.

وثقافتنا العربية والإسلامية زاخرة بعلوم الضبط، ومناهج البحث، ومقاصد السعي، ولعل من أبدعها وأشدها إحكاما علوم الحديث، وعلم الجرح والتعديل، والذي نصل فيه بمنهجية علمية موضوعية لا انحياز فيها لاتصال وصحة سلاسل الرواية وقوة وموثوقية حلقاتها. ثم علم الفقه بمقاصده واستدلالاته، ناهيك عن العلوم الطبيعية التي أبدعت حضارتنا العربية مناهجها التجريبية والإستقرائية وعلمتها للغرب.

واليوم مع التراجع الحضاري لعالمنا العربي تنتقل راية البحث والتحقيق لأكثر مناحي تراثنا إلى غيرنا، من البحث التاريخي، لعلوم الأثار والحفريات، وعلوم الإنسان أو الأنثروبولوجي، ووصولا لأصالة الخيل العربية. وأصبحنا متلقين لمخرجات أبحاث لا ندري في كثير من الأحيان بأي منهجية صيغت، وعلى أي أساس بنيت، ولأي غايات سعت. والغريب أننا نتلقاها كمسلمات مفروغ منها دون أي تساؤل أو تفنيد، وكأنها ليست بضاعتنا في الأساس.

لا شك أن سلالة الحصان العربي هي السلالة الأقدم والأهم بين كل سلالات الخيل في العالم، وهي السلالة التي حسنت تقريبا كل سلالات الخيل المعروفة في كل الدول المعنية برياضات الفروسية، من ركوب وجر وعروض، ومن سرعة وقفز وتحمل وترويض. وعلو كعب هذه السلالة ليس محل نزاع. ومن ضمن السلالات الأشهر في العالم المحسنة بالحصان العربي الثروبريد، الكوارتر هورس، السادل بريد، الوورم بلود، الأبالوزا وغيرهم كثير. والأكيد أن للحصان العربي الأصيل قوة جينية ووراثية عجيبة في التأثير والتحسين فى الخصائص الجينية لسلالات الخيل المختلفة.

وفيما يخص خيلنا العربية فإن منهجية البحث والتأصيل عند الغربيين في هذا المبحث المعقد ليست واحدة، فقد تفرعت إلى مدارس متباعدة وفقا لتعريف الأصالة ومفهوم الحصان العربي في أذهانهم، وخضعت لاعتبارات كثيرة لا تخلو من اختلافات ثقافية وحضارية، أو أذواق شخصية، أو حتى عوامل اقتصادية وتجارية. فمفهوم الحصان العربي وحتى الصورة الذهنية للحصان العربي ليست موحدة حول العالم، وقد تقترب أو تبتعد قليلا أو كثيرا عن صورته لدى أهله وأصحابه الأصليين من العرب الأقحاح على مر التاريخ، وربما دون مراعاة في الغالب للخصوصيات الثقافية والحضارية وربما الدينية التي صاحبت تكوين الحصان العربي وتشكله عبر العصور. فللحصان العربي اليوم آباء كثر كل يدعيه، وكل يريد أن يصيغه وفق صورته الذهنية غير مبال بنا وبحقوق ملكيتنا الفكرية لهذا المنتج الحضاري، وليسوا كلهم على نفس القدر من الإحتفاء أو الاحترام للقيم الثقافية والأيديولوجية المصاحبة. ناهيك عن التزام منهجية البحث العلمي والتدقيق البحثي، سواء كان وثائقيا أو ميدانيا أومعمليا، عن صحة ما يُنسب ويُقدم تحت عنوان الحصان العربي.

ولا شك أيضا أن مسرح الحصان العربي في العالم اليوم يدعو الكثيرين من ذوي الولاء الثقافي في المشرق العربي، وذوي الإحترام الحضاري في العالم الغربي، وكذلك كل من يدركون ثراء وقيمة وقوة الجينات العربية النقية، إلى عدم الارتياح لما آل إليه حال الحصان العربي شكلاً وموضوعاً وجينوماً. حيث يدعو الواقع لدق ناقوس الخطر فيما يخص الخصائص الوراثية للحصان العربي، قبل أن يصبح من المستحيل على الأجيال القادمة أن تجد نفس المنتج الذي تركه لنا أسلافنا عبر القرون، وأن تصل عملية التحول المضطرد في مقومات الحصان العربي وتركيبته الجينية إلى خط اللا رجعة (Irreversible Process) لنصل إلى مرحلة الإضمحلال والإختفاء التدريجي لهذا الكائن المكرم العتيق العريق.

وللحديث بقية،،،

~ الصور:

الحصان حلب فخر الصحراء، معنقي سبيلي، انتاج قبيلة الإسبعة، عنزة، بادية الشام، استورده هومر دافنبورت إلى الولايات المتحدة سنة 1906.
الحصان المعنقي ابن بركات، معنقي سبيلي، من معنقية الشيخ صميدة الطحاوي، من قبيلة الإسبعة، عنزة، بادية الشام.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *